سوريا والأمن القومي المصري
كتب-مصطفي عمارة
لم يكن إعلان الزعيم الراحل عبد الناصر للوحدة بين مصر وسوريا بعد الفوران الجارف من قبل الشعب والجيش السوري مطالبين إياه بتلك الوحدة في ظل التهديدات الخارجية والمخاطر الداخلية التي واجهتها سوريا في ذلك الوقت محض مصادفة فلقد ارتبطت سوريا ومصر عبر التاريخ بوشائج الدين واللغة والتاريخ والأمن المشترك ما جعل البلدان كيان لا يمكن فصله وهو ما أثبتته الوقائع التاريخية ، فمن المعروف أن أي غزو استعماري كان يريد الاستيلاء على سوريا كان عليه أولا الاستيلاء على مصر والعكس صحيح وهو ما حدث في الغزو الصليبي والتتاري لذا لم يكن غريبا أن يعمل الاستعمار على زرع إسرائيل في فلسطين حتى يفصل مصر عن سوريا حتى تتمكن من السيطرة على المنطقة خاصة أن البلدان خاضا معا حرب عام 1948 و 1956 و 1967 وكان آخرها حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 وعندما اندلعت ثورة الشعب المصري في يناير عام 2011 مطالبا بالحرية والكرامة كان طبيعيا أن تمتد آثار تلك الثورة إلى سوريا فخرج الشعب السوري مطالبا بالحرية ومناهضا للظلم والاستبداد ورغم المطالب النبيلة التي خرج من أجلها الشعبين إلا أن ثورة الشعبين انحرفت عن مثارها بعد أن تسلقت قوى داخلية وخارجية على تلك الثورات مما أدى إلى انحرافها عن مسارها وإذا كانت القوى الخارجية قد فشلت في تفتيت مصر وتجزئتها لأن طبيعة الشعب المصري وتماسكه وعدم وجود طوائف وعرقيات داخلة تجعل على اي قوى سواء أكانت داخلية او خارجية مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة في تجزئته أو تقسيمه فإن تلك القوى نجحت في تلك المهمة في سوريا مستغلة انشغال مصر في ترتيب أوضاعها الداخلية وأصبح التقسيم الآن أمرا واقعا في سوريا في ظل الوجود الروسي والإيراني والأمريكي والتركي حتى أن الأمر أصبح صعبا إن لم يكن مستحيلا لإعادة سوريا إلى ما كانت عليه قبل تلك الأحداث ، ورغم عدم وجود قوات إسرائيلية في سوريا إلا أن إسرائيل هي اللعب الخض الذي يقف وراء تلك الأحداث لتفتيت سوريا وفصلها عن مصر وإخراجها من حلبة الصراع العربي الإسرائيلي ، وفي ظل ارتباط سوريا بالأمن القومي المصري فإن الأمر يتطلب دورا مصريا أكثر فاعلية في الأزمة السورية وإن كان انشغال مصر خلال ثورة يناير وما بعدها في ترتيب أوضاعها الداخلية فليس هناك ما يبرر الآن من ابتعاد مصر عن الساحة السورية باعتبارها طرف أصيل في تلك الأزمة ، ورغم تحفظنا على سياسة النظام السوري الاستبدادية تجاه الشعب السوري فإن وجود هذا النظام أصبح أمرا واقعا لابد من التعامل معه ، ومن هذا المنطلق فإن استمرار القطيعة مع النظام السوري وتعليق عضويته في الجامعة العربية أصبح أمرا غير مبرر لأن العقوبات على هذا النظام لن تضعفه وربما تقويه بل إن الأمر يتطلب احتواء هذا النظام لأنه وكما كان يرى الملك عبدالله خادم الحرمين الشريفين رحمه الله إننا كلما اقتربنا من النظام خطوة أبتعد عن إيران خطوة والعمل في نفس الوقت على إدارة حوار بين النظام والمعارضة السورية الوطنية تحت إشراف مصري عربي للوصول إلى حل للأزمة يحقق وحدة التراب السوري وفي نفس الوقت أمال الشعب السوري في الحرية والكرامة .