هل ضاعت فرص التوصل لاتفاق نووي

0

د. سنية الحسيني

2022-05-08 بعد أن راج الحديث عن اختراق إيجابي طال المفاوضات النووية في فيينا خلال شهر آذار الماضي، وبعد أن تصاعد الحديث عن وجود اتفاق نووي بين أميركا وإيران شبه مكتمل، بانتظار القرار السياسي من قيادة البلدين، وكان ذلك تتويجاً لعام كامل وثماني جولات من المفاوضات، أصيبت العملية برمتها بإنتكاسة. جاءت تلك الانتكاسة في ظل تطورات الحرب الروسية الأوكرانية، وحالة الاستقطاب الدولي التي فرضتها معطيات هذه الحرب. وكانت روسيا مصدر تلك الشرارة التي أشعلت النار في ذلك الناتج التفاوضي المهم، وذلك بعد أن استشعرت قرب الاتفاق، فاشترطت عدم تأثيره على علاقتها الاقتصادية مع إيران، في ظل العقوبات الاقتصادية الغربية التي تخضع لها. وتوقفت الجولة الثامنة والأخيرة من المفاوضات النووية في الثاني عشر من شهر آذار الماضي، بسبب تلك الضمانات المكتوبة التي اشترطتها روسيا لإعفاء أي شراكة بينها وبين إيران من عقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، التي فرضت عليها على إثر الازمة الروسية الأوكرانية الحالية. وتبدو روسيا المستفيد الأول من تراجع فرص إبرام الإتفاق في هذا الوقت بالذات، الذي يحمل توقيعه فوائد جلية لطرفي الإتفاق. ورغم غياب تلك المشكلة بعد ذلك، وتراجع روسيا عن شرطها، بقيت قضية إبرام الإتفاق تراوح مكانها لأسباب أخرى، تتمسك بها إيران، الأمر الذي يعكس تنسيق إيراني روسي ضمني، ويمنح إيران فرص أكبر للمساومة لتحصيل نتائج أكبر، في ظل عدم ثقتها بالغرب.

جاءت المفاوضات غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران في فيينا في السادس من شهر نيسان من العام الماضي، لاعادة احياء الاتفاق النووي الذي وقعته الإدارة الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما عام ٢٠١٥، والذي دخل حيز النفاذ في العام التالي. وتبنت الدبلوماسية المتعددة الأطراف إدارة المفاوضات غير المباشرة طوال العام الماضي، حيث قام الاتحاد الأوروبي بقيادة انريكي مورا بتنسيق وترتيب هذه المفاوضات، بينما كانت الصين وروسيا وألمانيا وفرنسا وانجلترا الوسطاء والشركاء في العملية. وسعت إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لإحياء هذه العملية التفاوضية بهدف استرجاع الاتفاق النووي مع إيران لعام ٢٠١٥. وكان الرئيس دونالد ترامب قد انسحب من الاتفاق وفرض عقوبات إضافية على إيران عام ٢٠١٨. وأكد روبرت مالي المكلف بادارة الملف الإيراني في الإدارة الأميركية الجديدة، بأن إيران حققت نتائج إيجابية بعد احجامها في العام ٢٠١٩ عن تنفيذ التزامتها في اطار ذلك الاتفاق. واعتبر مالي أن إيران حققت تطوراً ملحوظاً في اطار قدراتها النووية، كما أنها واصلت اختراقاتها الإقليمية العسكرية ووسعت من تمركزها في المنطقة، بالإضافة إلى أنها نجحت في التجاوز عن العديد من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، بفضل تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، الندين والمنافسين الحقيقيين للولايات المتحدة ليس في منطقة الشرق الأوسط فقط، بل على مستوى العالم.

خلال الشهر الماضي، بدأ الحديث عن وجود مسودة إتفاق شبة جاهزة مكونة من ٢٧ صفحة، تضم تفاهمات أميركية إيرانية حول جوانب فنية وخطوات على إيران أن تقوم بتنفيذها كي تعود لالتزاماتها بالاتفاق الأصلي الموقع عام ٢٠١٥، والتي تضع قيوداً على تطور برنامجها النووي، مقابل رفع العديد من العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة في عهد ترامب. وقطعت المفاوضات بين البلدين خلال العام الماضي شوطاً مهما في تحديد العقوبات التي سيتم رفعها، والتي لم تشمل فقط تلك التي صاحبت الإتفاق النووي عام ٢٠١٥، بل تجاوزتها بالتفاهم برفع عقوبات إضافية فرضتها إدارة ترامب على خلفية تتعلق بقوانين الإرهاب وحقوق الانسان. ويبدو أن طرفي التفاوض تجاوزا الكثير من القضايا الخلافية لصالح الوصول لإتفاق، على رأسها على سبيل المثال تراجع إيران عن شرطها بأن يكون الاتفاق معاهدة ملزمة تستوجب موافقة مجلس الشيوخ بأغلبية الثلثين، وهو بالأمر المعقد، خصوصاً في ظل تزايد الأصوات المعارضة للاتفاق في مجلسي الكونجرس. وبالمقابل تراجعت الولايات المتحدة عن رغبتها بربط الإتفاق النووي بقضية الصواريخ البالستية الإيرانية وتمدد إيران الإقليمي. وهكذا نجحت أميركا وإيران في إزالة العديد من العقبات، التي حالت دون وصولهما لإتفاق طوال العام الماضي.

من الواضح أن الوصول لاتفاق بين الولايات المتحدة وإيران يصب الآن في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وإمكانية دخول إيران للتخفيف من أزمة الطاقة الموجودة حالياً بسبب تلك الحرب، سواء كمورد أو كطريق موصل. كما يعد الإتفاق في الوقت الراهن فرصة لإيران لاحداث اختراق اقتصادي مهم، في ظل إمكانية دخولها إلى سوق الطاقة، لتحقيق نوع من التوازن لتعويض النقص في امدادات الطاقة الروسية. يأتي ذلك في ظل بدء تنفيذ إيران وأذربيجان وتركمستان لاتفاقية الغاز نهاية العام الماضي، والذي سيصل من خلالها الغاز التركمستاني إلى أذربيجان عبر الأراضي الإيرانية. وترتبط أذربيجان بالسوق الأوروبية من خلال خط أنابيب يمر عبر تركيا. ويعتبر الاتفاق فرصة لإيران لاقتحام سوق الطاقة سواء كمورد أو كطريق للمواصلات تجاه أوروبا، وهو حلم طالما رواد صانع القرار الايراني، خصوصا بعد أن حرمتها الولايات المتحدة من تنفيذ ذلك الحلم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بقطعها لفرص انخراطها في مشاريع الطاقة في منطقتها، والتي تعد فيها إيران ثقلاً انتاجياً واستراتيجياً لا يمكن اغفاله. وعطلت الولايات المتحدة بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي صفقات بين إيران وأوكروانيا وأذربيجان لنقل البترول وبناء خطوط لنقل الغاز، واستبعدتها من مشاريع نقل الطاقة الإقليمية بين دول القوقاز وأسيا إلى أوروبا عبر بحر قزوين والبحر الأسود الذي تم إطلاقه في ذات الوقت، فبقيت إيران بعيدة عن هذا النوع من المشاريع العملاقة بأمر أميركي وتعاون أوروبي، طوال العقود الثلاثة الماضية، رغم أهميتها ومكانتها الإقليمية والاستراتيجية في اطار تلك المشاريع.

ورغم اعتراض كل من

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الاسطورة تويتر _ الاسطورة الجديد _ العمدة سبورت _ ترددات القنوات _ سعر الدولار اليوم