حكاية وجع .
.
حكاية عمّالنا وتعبهم في بلد أشحذهم الفقر، واستغلّهم وهمّشهم وجعلهم ” عدد على مدد ” لزعيم يستذلّون أمامه لتأمين قوتٍ أو دخول مستشفى أو توظيف ولد ؛
“عدد على مدد” لدولة فاسدة موبوءة ،مكتنزة بدهاليز فسادها، محترفة بسرقة شعبها، سرقت حقهم وكرامتهم الإنسانيّة وألبستهم ثوب الخنوع لتبقيهم وقودًا لمعاركها الداخلية الطائفية وحروبها الخارجية ؛ لدولة مستبدّة حيث تطبّق قانونها فقط على الكادح الصغير وتترك الفاسد الكبير .
في هذا البلد كلّنا أصبحنا كادحين، هذا الكادح الذي يصارع الحياة بدفع فاتورة فسادهم في كلّ يوم ومع مطلع كلّ فجر ومع كلّ لقمة حتى الّلمة حُرِم منها فشرّدوا أولاده في أصقاع الأرض وتركوه وحيدًا تنهشه عذابات الوحدة وآلام الشوق.
تكريم العامل تكريم لقيمة العمل وتكريس لتطوّر الأوطان. في الدول التي تحترم نفسها وشعبها اهتموا بالعامل أوّلًا، أقاموا له النصب الذهبية لتكريس قيمة عمله واعطوه المزيد من الإمتيازات الّتي تحقّق المستوى المطلوب من حفظ الكرامة والحقوق الإنسانية الأساسية وأقاموا له عيدًا، ووضعوا تمثالًا بلون الذهب لعامل النظافة كما في اليابان وبأجر شهري يبلغ ٨٠٠٠ $ وبتسميته”مهندس البيئة والنظافة ” وليس “زبّال” .
هكذا ترتقي الشعوب عندما تحترم وتقدّر خادمها الصغير قبل خادمها الكبير والنائب والزعيم والوزير ، فتنال وسام الإنسانيّة وأحقيّة التطوّر.
أمّا في بلادنا لا عيد للعمال ولا عبارات تهنئة . في بلادنا انطفأت الأنوار وغابت الأعياد، فقط مظاهرات تسترقّ ودّ الساحات وتطالب باسترجاع الأعمال والعمّال.
اليوم 1 أيّار ..هو عيد البطالة ؛ هو عيد العمال العاطلين عن العمل ، هو عيد الأكثرية الأقرب الى الواقع المقيت ؛ ومن هنا تجدر الاشارة الى أنّه لم تعد المطالبة بإعلاء حقوق العامل اللبنانيّ أولويّة في بلدنا بقدر ما أصبح الصوت عاليًا بضرورة توفير فرص عمل كمطلب أساسيّ في بلد لا أساس فيه إلّا الطائفيّة وخنوع الأكثرين..ألهذا الدرك أوصلتمونا يا سادة؟!!
فوجع هذه الحكاية يجب أن يُردّ جميله في ثورة وعي على سارقي حقوق العمال ؛ وناهبي أموال الشعب،
لمعيشة فيها الحد الأدنى من العيش الكريم لهم ؛
لمؤسسات تحترم العامل الصغير وتعطي حقوقه وتعلي من راتبه وأجره قبل الزعيم الكبير الفاسد ؛
لثقافة تحترم عامل النظافة قبل احترامها للنائب والوزير وتجار السلاح ومصاصي دماء الشعب وعمالقة الفساد ؛
لثقافة توطّد احترام العامل الصغير قبل الكبير ، فمتى كانت قيمة الانسان في كبر أو صغر مهنته وإنّما القيمة الحقيقية – لمن يفهم فقط- تكمن في نزاهة وشرف مهنته مهما كانت كبيرة أو صغيرة ؛
فعندما يصبح معيار قياس العامل في بلادنا المشوّهة من هذا المنظار نكون قد بلغنا من الأخلاق والإنسانيّة والتطوّر مستوى؛
وإلّا ما معنى أن نقيم للعمّال عيدًا بالإسم ونحن بالفعل نسلبهم كرامتهم ونجعلهم عاطلين عن العمل ؛ وفي هذا كمن يقيم الصلاة وقلبه مهجور من الإيمان .
#عيد_العمال ..فاطمة سكرية