توجيه المزيد من سهام الأبرتهايد الاسرائيلي نحو فلسطينيي 48

0

د. جمال زحالقة
تناقش الحكومة الإسرائيلية، في الفترة الأخيرة، مقترحات باعتبار «قانون القومية» العنصري، المرجعية المركزية لسياسات الحكومة وأعمالها ومشاريعها. وشدد بنيامين نتنياهو، خلال الجلسة التي بحث فيها المقترحات، على ضرورة اعتماد الصهيونية كبوصلة لعمل الحكومة، وفرض ذلك على مؤسسات الدولة وأذرعها المختلفة. وفي ظل تعثّر مشروع الانقلاب على الجهاز القضائي، تجد الحكومة الإسرائيلية أن من الأسهل عليها تنفيذ سياسات ترسيخ وتوسيع نظام الأبرتهايد على طرفي الخط الأخضر، مع التشديد على الضفة الغربية تارة، وعلى مناطق الـ48 تارة أخرى.
ليست حكومة اليمين المتطرّف الفاشي هي التي اخترعت أو أنشأت نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، ولكن ما تقوم به هو زيادة الفصل فصلا، ورفع منسوب العنصرية بشكل خطير. لقد كان هذا الانحدار نحو المزيد من التطرّف متوقّعا، إذ أعربت الحكومة الإسرائيلية من اليوم الأول عن نواياها، وجاهرت بمآربها وبمخططاتها الرامية الى ترسيخ وتعميق وتوسيع وقوننة ومأسسة نظام الفوقية اليهودية، وإلى اعتماد الفصل العنصري بوصلة لعملها ولممارساتها. وكان مركز «عدالة» القانوني قد أكّد في مطلع هذا العام، أن الاتفاقيات الائتلافية والخطوط العريضة لحكومة نتنياهو الجديدة من شأنها «إثبات نية جنائية بشكل يفتح المجال أمام تقديم لوائح اتهام شخصية في المحكمة الجنائية الدولية»، باعتبار أن الفصل العنصري هو جريمة بموجب القانون الدولي. وقد تراكمت في الأسابيع الأخيرة مجموعة من القرارات والقوانين والممارسات، توجه المزيد من سهام الأبرتهايد الإسرائيلي نحو فلسطينيي الـ48.

ما يميّز الحكومة الإسرائيلية الحالية أنّها أكثر عنصرية وفاشية من سابقاتها، وعليه فهي أخطر، وفي جعبتها المئات من القوانين والإجراءات العنصرية المعادية للعرب

تفاقم الجريمة

منذ مطلع العام الحالي وصل عدد القتلى، على خلفية جنائية، من العرب الفلسطينيين في مناطق 48 إلى 90 قتيلا، وقدمت 9 لوائح اتهام فقط وبقيت بقية الجرائم «غامضة»، على الرغم من أن الجميع يعرف في العادة هوية القتلة، والشرطة بالتأكيد تعرفهم جيّدا، إلّا أنها لا تقوم بما هو لازم لجمع الأدلة ضدهم وتقديمهم للمحاكمة. الشرطة نفسها استطاعت أن تقضى على منظمات الجريمة اليهودية الكبرى وان تخفّض معدلات الجريمة في المجتمع اليهودي. في المقابل «فشلت» في خفض مستويات الجريمة، في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل. وجاء هذا «الفشل» تبعا لسياسة التمييز العنصري في كل مجالات الحياة، بما في ذلك في مجال مكافحة الجريمة. لقد أصبح فشل الشرطة قاتلا بكل معنى الكلمة، ولا يتعلّق الأمر فقط بالسياسات، بل أساسا بالعقلية العنصرية، التي لا تقيم وزنا لحياة العربي. لقد عششت الجريمة في ظل نظام الأبرتهايد البائد في جنوب افريقيا، وهي «تزدهر» في دفيئة الأبرتهايد الإسرائيلي. فنظام الأبرتهايد يدفع ضحاياه الى مهاوي الجريمة، وهذه ليست بالضرورة سياسة مخطط لها، فهي أكثر تعبير عن عقلية سائدة. في جنوب افريقيا لم يُعتبر قتل الأسود جريمة، في حين جرى التعامل مع قتل الأبيض ليس كجريمة جنائية عادية، بل كمس بالأمن القومي. ولا تختلف الشرطة الإسرائيلية عن ذك، فهي تتقاعس حين يقتل العرب العرب، ولا تقبض على المجرمين، ولكن النشاط يدب فيها عندما يُقتل يهودي على خلفية جنائية وتقبض على المتهمين، بدقة في العمل وبسرعة في التنفيذ. الجديد في ظل حكومة اليمين الفاشي الجديدة أن عدد القتلى العرب منذ بداية العام هو ضِعف الفترة نفسها من السنة الماضية، وهذا أمر فظيع لأن القضية أكبر من عدد القتلى، بل قضية مجتمع بأكمله يعيش حالة من الذعر من إطلاق النار، ومن تفاقم جرائم القتل شبه اليومية. خلال الفترة الممتدة من عام 1980 إلى عام 2000، كان عدد القتلى في المجتمع العربي في الداخل نحو مئة قتيل، وخلال اقل من ستة أشهر وصل عدد القتلى إلى 90 قتيلا. من الناحية العملية سياسة الحكومة الحالية هي «دعهم يقتلون بعضهم بعضا»، وهي فعلا سياسة إجرامية، فالدولة التي لا تحارب الجريمة تقوم في الواقع بتشجيعها.

الصهيونية كقيمة عليا

ناقشت الحكومة الإسرائيلية قبل أسبوعين، اقتراحا باعتماد «قانون القومية العنصري» أساسا لعمل الحكومة، وطُرحت في الاجتماع اقتراحات مختلفة بالاتجاه نفسه، ومنها اتخاذ قرار رسمي بأن تكون الصهيونية هي مرجعية سياسات الحكومة وبوصلة أعما أذرع الدولة كافة في كل المجالات. ولتوضيح فكرة «الأولوية الصهيونية»، أي التمييز العنصري ضد العرب الفلسطينيين، قال وزير القضاء الإسرائيلي يريف ليفين: «العرب يشترون بيوتا في البلدات اليهودية في الجليل وهذا يؤدّي إلى هجرة اليهود لأنّهم ليسوا مستعدّين للعيش مع العرب. علينا أن نهتم بأن يكون قضاة في المحكمة العليا يفهمون هذا». وهكذا أوضح ليفين بأن جوهر التعديلات القضائية، التي يقترحها، هو ترسيخ نظام الأبرتهايد. رسميا، لم تقر الحكومة الإسرائيلية بعد اعتماد قانون القومية، مع أنّها عمليا تجاوزته في سياساتها العملية. والسبب هو معارضة المستشارة القضائية للحكومة بإعطاء أفضلية لهذا القانون على قوانين أخرى. كذلك عارضت الأحزاب الدينية التوراتية (الحريديم) إقرار الصهيونية كأساس لعمل الحكومة، خشية أن يرتد عليها وعلى جمهورها ويضر بهما في بعض المناحي. ولكن التوجّه العام واضح، وسيجري استرضاء الأحزاب الدينية التوراتية بصيغة قرار لا يمس مصالحها. ووفق هذا التوجّه ستكون هناك آلية «ناجعة» لاتخاذ سياسات تمييز عنصري مفضوحة ومكشوفة، دون الخشية من تدخل المحاكم، التي في الواقع نادرا ما تتدخّل.

تهويد الجليل

يقلق الهاجس الديمغرافي المؤسسة الإسرائيلية إلى درجة الهوس، ومن أكثر ما يشغل بالها هو التوازن الديموغرافي في منطقة الجليل شمال فلسطين. ويعيش في هذه المنطقة أكثر من نصف فلسطينيي الداخل، وهم يشكّلون أكثرية فيها، أي أن اليهود أقلية. وتقوم الحكومة الإسرائيلية وأذرع الاستيطان الصهيوني، منذ الخمسينيات بمساع حثيثة لقلب الميزان الديمغرافي في الجليل، وأق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الاسطورة تويتر _ الاسطورة الجديد _ العمدة سبورت _ ترددات القنوات _ سعر الدولار اليوم