سد النهضة والمؤامرة الكبرى على مياه النيل
ارتبطت مصر منذ فجر التاريخ بنهر النيل والذي يعد شريان الحياة الرئيسي لشعب وادي النيل لذا أطلق على مصر لفظ هبة النيل كما تغنى به الشعراء والفنانين ولعل أشهر ما كتب عنه اغنية النهر الخالد والتي تغنى بها موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب وكان من الطبيعي في ظل الأهمية القصوى لنهر النيل أن تنشئ الصراعات والخلافات بين دول حوض النيل وفي ظل استمرار تلك الخلافات التي تهدد بنشوب حرب بين تلك الدول فلقد عقدت بريطانيا والتي كانت تحتل وقتها العديد من دول حوض النيل فلقد عقدت اتفاقية تحدد حصة كل دولة من مياه النيل وقدرت حصة مصر وقتئذ ٥٥ مليار متر مكعب ورغم أن تلك الحصة لم تكن عادلة في ظل النمو السكاني لمصر وحاجتها لكميات أكبر من المياه نظرا لأن مياه النيل كانت تعد المصدر الأساسي للحياة في ظل عدم وجود مصادر أخرى للمياه وتركز السكان في ٤٪ من مساحة مصر الصحراوية إلا أن الحكومة المصرية سعت للحفاظ على تلك الحصة فكان قرار الرئيس المصري الراحل عبد الناصر بإنشاء السد العالي لتخزين مياه النيل الفائضة وحمايتها من الفيضان كما ساهمت مكانة مصر وكريزما دعامة عبد الناصر دورا في حماية حصة مصر من المياه من كل من تسول له نفسه المساس بها إلا أن الخلاف حول مياه النيل تفجر بعد رحيل عبد الناصر وعقد مصر اتفاقية كامب ديفيد في عهد السادات وانتهزت اثيوبيا والتي تدعمها إسرائيل تلك الفرصة واعلنت عن نيتها إقامة سد على نهر النيل إلا أن السادات هدد بضرب أي محاولة لإقامة هذا السد إلا أن إثيوبيا ضربت بتهديدات السادات عرض الحائط وقامت بوضع اللبنة الأولى لهذا السد دون الإعلان عن ذلك فما كان من السادات أن أعد طائرات حربية مصرية بعد تغيير معالمها وقامت بضرب ما بنته اثيوبيا والتي قامت بتقديم شكوى لمجلس الأمن ضد مصر إلا أن السادات استند إلى تصريحات اثيوبيا بعدم بنائها سد في في تفنيد دعاوي اثيوبيا وبعد رحيل السادات عاودت اثيوبيا المحاولة في عهد مبارك والذي كرر تهديداته لإثيوبيا بتدمير هذا السد وكان هذا رادعا لإثيوبيا في عدم إكمال مشروعها ثم كانت الفرصة الذهبية أثناء ثورة يناير وما اعتبها من حالة عدم الاستقرار في مصر وقامت بوضع حجر الأساس لسد النهضة ونظرا لخطورة هذا المشروع فلقد قام مجلس الشعب المصري في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي بمناقشة هذا الموضوع في جلسة سرية إلا أن التلفزيون المصري بث الجلسة على الهواء مباشرة وانهالت الانتقادات من الإعلاميين وعلى رأسهم لميس الحديدي على النائب ايمن نور والذي طالب بضرب السد وطالبت لميس الحديدي بمحاكمته بدعوى إساءة علاقات مصر مع الدول الأفريقية وخلال الأشهر الأخيرة لحكم الإخوان ومع تزايد الاضطرابات التي تطالب برحيل مرسي وبروز اسم الفريق عبد الفتاح السيسي كأحد المرشحين لتولي الحكم بعد رحيل مرسي أجريت حوار صحفي مع د. هيثم الخطيب رئيس ائتلاف شباب الثورة والذي كانت له صلات واسعة من سياسيين عسكريين بارزين حيث أكد د. الخطيب في حواره أن الولايات المتحدة سوف تدعم حكم السيسي في مقابل تقديم تنازلات في ملف سد النهضة ورغم أن هذا التصريح لم يتأكد من مصادر أخرى إلا أن تعامل النظام المصري مع هذا الملف أثار العديد من علامات الاستفهام في مدى جدية النظام المصري في التعامل معه بدء من إعلان المبادئ بين رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا والذي لم يلزم اثيوبيا بعدم المساس بحصة مصر من المياه وكان كل ما فعله الرئيس السيسي هو طلبه من الرئيس الاثيوبي ابي احمد أن يقسم بالله أنه لن يمس حصة مصر من المياه وهو أمر غير متعارف عليه في السياسة والتي تحكمها اتفاقات ملزمة وضمانات من أطراف أخرى واستمرت اثيوبيا في نهجها الأحادي في بناء السد دون اكتراث بحقوق دولتي المصب في مصر والسودان فقامت بالملئ الأول والثاني والثالث دون أن تتخذ مصر إجراءات تلزم اثيوبيا بحصة مصر سوى اللجوء لمجلس الأمن الذي تسيطر عليه القوى الكبرى المنحازة لإسرائيل والتي وقفت وراء اثيوبيا لاستكمال هذا المشروع كوسيلة للضغط على مصر وإجبارها على توصيل مياه النيل لإسرائيل أو شراء المياه من اثيوبيا أو الاتحاد الأفريقي المنحاز لإثيوبيا أو الجامعة العربية التي لا تملك إلا إصدار بيانات الاستنكار والادانة حتى الأصدقاء الذين اعتمدت عليهم مصر وعلى رأسهم السعودية والإمارات التي تلعب الان دورا قذرا في دعم المخطط الإسرائيلي في السيطرة على المنطقة لتحقيق مصالحهم الذاتية وحانت فرصة ذهبية لمصر لتوجيه ضربة عسكرية للسد أثناء محادثات واشنطن التي انسحبت منها اثيوبيا وهو ما دفع الرئيس الأمريكي ترامب للتصريح بحق مصر في استخدام كافة الوسائل بما فيها القوة العسكرية لحماية حقوقها المائية ولكن مصر لم تكترث بهذا التصريح واستمرت في إجراءات تعلم عام العلم انها مضيعة للوقت حتى تكمل اثيوبيا مشروعها ورغم حالة الغليان في الشارع المصري وهو يرى اثيوبيا تعتدي على حق مصر المائي والذي يعد الشريان الوحيد لحياته اكتفى الرئيس السيسي بمحاولة طمأنة المصريين بتصريحات مثل تصريحه الشهير بطلوا هري دون أن يترجم هذا إلى إجراءات تردع اثيوبيا عن استمرار انتهاكها لحقوقنا المائية ومع توقف المفاوضات التي ثبت عدم جدواها فوجئ الرأي العام بمقابلة الرئيس السيسي لأبي احمد أثناء مؤتمر مؤتمر واشنطن حيث أدلى بتصريح غريب أنه مستعد لحل وسط مع إثيوبيا حول مياه النيل حيث فسر البعض ذلك بقبول مصر التنازل عن جزء من حقوقها في هذا الملف للوصول إلى حل وما هي إلا بضعة أيام حتى وصل ابي احمد إلى القاهرة وسط استقبال حافل وكأنه بطل قومي أعاد لمصر حقوقها وصدر إعلان بعد الزيارة عن استئناف المفاوضات رغم عدم التزام اثيوبيا بالتوقف عن الملئ الرابع وكان طبيعيا أن لا تسفر المباحثات عن أي تقدم في ظل نوايا اثيوبيا الواضحة باستغلال الوقت لاتمام الملئ الرابع والان وبعد إعلان اثيوبيا عن اكتمال مشروعها فما هي الجدوى من استمرار التفاوض في حالة وجود نوايا لإثيوبيا حول ملئ السد بكامل سعته والتي تقدر ب٧٤ مليون متر مكعب وهو ما يعرض السد لاحتمالات انهياره خاصة أنه يقع في منطقة بركانية وهو ما سوف يؤدي إلى إغراق السودان وجزء من مصر وما هي البدائل المتاحة في ظل صعوبة أو استحالة الحل العسكري وعدم جدوى الحلول الدبلوماسية ونظرا لخطورة هذا الملف على مستقبل وحياة الشعب المصري فإن الأمر يتطلب إدارة حوار من كافة لخبراء والساسة في كافة المجالات ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام للخروج بتصور يحفظ حقوق مصر المائية بعد أن أثبتت التجربة عن عجز النظام القائم في التعامل مع هذا الملف إما عمدا لتحقيق أجندات خاصة أو بفعل حسابات خاطئة من جانب المكلفين بإدارة هذا الملف لأن الموقف الان اصبح خطير لا يحتمل التهاون أو التسويف بعد أن أصبح حاضر مصر ومستقبلها مهدد بأفدح الأخطار التي لا يمكن للشعب أن يتهاون مع المتسبب في تلك الكارثة التي سوف تهدد حاضر تلك الأمة ومستقبلها .
مصطفى عمارة