مصر وقضية سد النهضة
وصفت مصر دائما ومنذ فجر التاريخ بأنها هبة النيل لاعتمادها بصورة كاملة على مياه النيل التي تنحدر من جبال إثيوبيا ونظرا لاعتماد المصريين بصفة كاملة على مياه النيل فلقد نظم المصريين القدماء عيد وفاء النيل وتجنبا للنزاعات بين دول حوض النيل حول حصة كل دولة من المياه فلقد أبرمت اتفاقية عام 1959 والتي حددت حصة مصر ب55 مليار متر مكعب من المياه ورغم التزام مصر بتلك الاتفاقية إلا أن تلك الحصة لم تعد تكفي مصر مع زيادة السكان إلا أن مصر التزمت بها رافضة المساس بتلك الحصة رغم بالونات الاختبار التي كانت تطلقها إثيوبيا بين الحين والآخر عن رغبتها في إقامة سد يمكن أن يؤثر على حصتها إلا أن إثيوبيا أعادت الكرة مرة أخرى في عهد السادات مستغله عقد مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل والتي لعبت دورا بدعم امريكي للضغط على مصر لإقامة سد على النيل إلا أن السادات كان حاسما واعلنها بكل صراحة أن مصر ستضرب اي محاولة لبناء هذا السد ونفذت بالفعل تهديدها رغم الاحتجاجات الإثيوبية ثم كانت المحاولة الأخيرة والتي تعد اخطر تلك المحاولات عندما انتهزت إثيوبيا الاضطرابات في مصر عقب ثورة يناير وبدأت عمليا في إقامة هذا السد والذي سمته سد النهضة وعقد مجلس الشعب المصري جلسة طارئة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي تم بثها في التلفزيون المصري حيث طالب النائب أيمن نور بضرب السد ورغم أن هذا التهديد كان ضروريا لردع إثيوبيا إلا أن وسائل الإعلام المناؤة لحكم الإخوان هاجمت هذا الاقتراح بشدة واتهمت الإخوان بالإساءة لعلاقات مصر مع دول افريقيا ولم تعير إثيوبيا تلك التصريحات اي اهتمام بعد أن أدركت أن مصر غير قادرة على اتخاذ أي إجراء في ظل تفاقم الاضطرابات داخلها والتي مهدت لإسقاط الإخوان وتولي السيسي مقاليد السلطة وقبل تولي السيسي بصفة رسمية مقاليد الحكم أجريت حوار مع د. هيثم الخطيب رئيس ائتلاف شباب الثورة والذي كان مقربا من شخصيات بارزة في المجلس العسكري والذي أكد لي أن أمريكا سوف تدعم نظام السيسي مقابل تخليه عن قضية سد النهضة وكان يمكن أن يكون هذا التصريح صحيحا أو خطأ إلا أن الأحداث أثبتت تقاعس الرئيس السيسي عن اتخاذ إجراء ضد إثيوبيا سواء عند عقد الاتفاقية غير الملزمة مع الجانب الإثيوبي أو عدم أي إجراء في مراحل الملئ المتتالية حتى عندما انسحبت إثيوبيا من محادثات واشنطن وتصريحات ترامب الذي أعطى الضوء الاخضر لاتخاذ كافة الاجراءات لحماية أمنها المائي إلا أن السيسي لم يستغل كل الفرص التي اتيحت له حتى انتهت إثيوبيا تقريبا من بناء السد والذي سوف يكون له آثاره المدمرة سواء على على حصة مصر أو احتمالية انهياره في حالة حدوث زلزال يهدم السد ويغرق السودان وجزء من مصر ويبدوا أن مصر استسلمت للأمر الواقع وبدأت في إنشاء محطات لتحلية المياه أو تبطين الترع رغم أن ذلك كلف الميزانية مليارات الدولارات واثقلها بالديون وكان يمكن أن تتجنب كل هذا إذا اتخذت الإجراءات في الحفاظ على حصتها في مياه النيل ومن الغريب أن دول عربية حليفة لمصر وعلى رأسها الإمارات والتي أصبحت رأس حربة لإسرائيل في المنطقة تدعم المشروع الإثيوبي بالاموال فيما تقوم بشراء الأراضي والاستثمارات في مصر والتي يمكن أن تمتلكها إسرائيل في المستقبل لتهيمن على الاقتصاد المصري وقراره أن ما حدث في قضية سد النهضة والأخطاء التي ارتكبت في معالجة تلك القضية والتي اوصلتنا لتلك المرحلة تتطلب محاكمة المسئولين الذين فرطوا في أمن مصر المائي والذين عرضوا حياة شعب بأكمله لأفدح الأخطار .
مصطفى عماره