الباحث والأكاديمي السوري د. محمد خالد الشاكر لـ ( الزمان): النظام الدولي مابعد أكرانيا وغزة يسير نحو تعددية قطبية ترسم الخط الفاصل بين الشرق والغرب.

0

 

القاهرة- حوار أجراه: مصطفى عمارة.
يبدو تراجع الدبلوماسية أمام عقيدة المواجهة السمة الطاغية على صراعات العقد الأخير، ولعل آخرها الحربين الدائرتين في أكرانيا وغزة اللتين تخفيان صراعات على النفوذ في أوروبا والشرق الأوسط بين الولايات المتحدة وروسيا.
ويرى الباحث والأكاديمي السوري د. محمد خالد الشاكر المقيم في الولايات المتحدة أن من أهم أسباب تصاعد هذه المواجهة هو الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سبتمبر 2021 الذي أصبح يهدد بانفلات التنظيمات المتطرفة في آسيا الوسطى، وبالتالي إشغال روسيا في حديقتها الخلفية ومجالها الحيوي الذي تربطه معها معاهدات دفاع مشترك، مايؤدي إلى تقليص نفوذها في مناطق أخرى من العالم و الشرق الأوسط، وبالأخص في ملفي سورية وفلسطين.
لماذا تعتقد أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كان وراء الحرب في أكرانيا وغزة؟
بالنظر إلى خارطة النظام الدولي وصراع النفوذ والإرادات بين معسكر الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة ومعسكر الشرق الذي تقوده كل من روسيا والصين، يمكن أن نلاحظ أنّ العملية العسكرية الروسية في أكرانيا / يناير 2022 جاءت بعد أربعة أشهر من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وبالتالي رداً مباشر أبعد من الخلاف بين روسيا والغرب حول الاتفاقيات بشأن أكرانيا، ولهذا اشتغلت روسيا على إعادة صياغة الجيوبوليتيك في النظام الدولي، وذلك بنقل الصراع على النفوذ بين كتلتي الشرق والغرب من آسيا الوسطى إلى داخل أوروبا، حيث ألقت تكاليف هذه الحرب بظلالها على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية للغرب الأطلسي برمته، كما مهدت لتعدد الأقطاب الفاعلة في النظام الدولي. أما بالنسبة للحرب في غزة فهي أحد مفرزات هذا التصعيد و لخلق نوع من التوازن في إدارة الملفات الساخنة في الشرق الأوسط.
ما هي مآلات الحرب في أكرانيا كصراع روسي مع الغرب. ولمن سيكون الحسم في النهاية برأيك؟
يبدو واضحاً أنّ الحرب في أكرانيا قد ألقت بثقلها على الغرب الأطلسي، وهنا سأذكر لك مواقف من الرأي العام الأمريكي والأوروبي، فقد كتبت صحيفة التليغراف البريطانية مؤخراً مقالاً جريئاً بعنوان ” بوتين قريب من النصر، و يجب أن تشعر أوروبا بالرعب”. وعرضت من خلاله ” إمكانية خروج الرئيس الروسي فلاديمير بوتن منتصراً، بسبب عدم قدرة أكرانيا على تحقيق أي اختراق حاسم، في الوقت الذي مازال فيه الرئيس الأكراني زيلنسكي ينزلق في الخلافات مع أوروبا بعد الانتقادات الحادة التي وجهها لحلفائه الغربيين بسبب عدم تزويده بالأسلحة اللازمة لكسر ما اسماه بـ ” الجمود في ساحة المعركة”، و ختمت الصحيفة ” يبدو أن أوروبا تستعد للسماح لأوكرانيا بخسارة الحرب.
برأيك ماهو ثقل و دور حلف الناتو كتحالف عسكري غربي في الحرب في أكرانيا؟
يبدو أن بريق حلف الناتو يخبو شيئاً فشيئاً ككتلة و هوية، ولعل مايؤيد هذه الفرضية أن دول الحلف لم تعد تمثل هوية واحدة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، ولعل مايؤيد هذه الفرضية ماخرج به مؤتمر الدفاع الذي عُقد مؤخراً في برلين الذي شبه الأوضاع في أوروبا بـ ” سيناريو يوم القيامة” الذي بموجبه تخاطر أوروبا بمصيرها الذي يشبه اليوم مصير الإمبراطورية الرومانية المقدسة تحت حكم نابليون.
لاحظنا في الآونه الأخيرة الكثير من الأصوات داخل إدارة بايدن تنتقد الاستمرار بالحرب في أكرانيا. برايك ماهي أسباب ذلك؟
بالتأكيد، تشهد الولايات المتحدة تحولات كبيرة بشأن الحرب، فالمتابع لآراء فرقاء مراكز صناعة القرار في الولايات المتحدة بشأن الحرب في أكرانيا يلحظ محاولات امتصاص الداخل الأمريكي بسبب ماتركته آليات التعامل مع الحرب في غزة التي وصفتها الغالبية العظمى في الرأي العام الأمريكي بأنها ” حرب إبادة جماعية”. أما بالنسبة للموقف من أكرانيا فقد تعالت الأصوات من داخل إدارة بايدن أن من مصلحة أمريكا الضغط على زيلينسكي للمطالبة بالسلام، بدلاً من الاستمرار في حملة عسكرية لا يملك سوى فرصة ضئيلة للفوز بها. بينما يطرح فريق آخر احتفاظ روسيا بالمناطق التي ضمتها إليها، وإلا فإن استمرار الحرب قد يشجع الروس على المزيد من التقدم على الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي الذي مازال عاجزاً عن حماية حدوده الشرقية. و قبل هذا التاريخ وفي بداية العام 2024 ووفقاً لتحليل أجراه معهد دراسة الحرب في واشنطن ISW أحد أهم مراكز صناعة القرار الأمريكي أشار تقرير المركز إلى أن روسيا تعمل على فكرة تقسيم أكرانيا بشكل استراتيجي لأن الروس ” لايحيدون” عن فكرة مؤداها أن أوكرانيا الحالية هي دولة غير ذات مصداقية، الأمر الذي يُفهم منه – حسب عقيدة التفكير السياسي الأمريكي – أن حل مشكلة أكرانيا في حال التفاوض مع روسيا قد يكون حلاً توافقياً، وبالتالي القبول بالخطوط الجديدة التي فرضتها روسيا، وهي الفرضية التي تتزايد احتمالاتها أكثر فأكثر مع تأهب الجمهوريون للوصول إلى سدة الرئاسة، وإعلانهم في كل مرة – على لسان المرشح الرئاسي ترامب – بأنهم سيشجعون الروس على فعل مايريدون لأنهم غير مستعدين للإنفاق على دول ليس لديها القدرة بما يكفي للدفاع عن نفسها.
هل تعتقد أن مايجري يعزز موقف الصين في مجالها الحيوي وهل ستكون له منعكسات على غزة؟
أعتقد بأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان لايفترق في تداعياته عن الموقف الروسي، لأن هذا الانسحاب يجعل الصين تنشغل بالجماعات المتطرفة التي أصبحت على مقربة من حدودها، مايفقدها التركيز على مجالها الحيوي في شرق آسيا، وبالتالي يعزز قدرة الولايات المتحدة في تحقيق اختراق جيوبوليتكي في إطار استراتيجيتها التي تعمل على الحيلولة دون تحوّل آسيا إلى تكتل صديق، خصوصاً مع الصعود الصيني اقتصادياً، حيق ارتفع حجم الاقتصاد الصيني بالنسبة للاقتصاد الأمريكي خلال ثلاث عقود الأخيرة من 7% إلى 70%، وهو النمو الذي يضع الصين كقوة عالمية ليس على مستوى الاقتصاد وحسب، وإنما على الصعيدين الاستراتيجي والعسكري. وهو مايعزز فرضية أن الولايات المتحدة ستحاول على المدى القريب التركيز على مناطق نفوذها الاستراتيجية التقليدية في أوروبا كأولوية تتقدم جميع الخيارات، اتسق ذلك مع ماتركته الحرب على غزة من تداعيات قلبت مفاهيم الرأي العام العالمي والمزاج العام الأمريكي في القضية الفلسطينية وحل الدولتين، خصوصاً مع دخول الصين على خط المصالحة الفلسطينية بقوة الذي تمخض عنه اتفاق بكين.
برأيك ماهو موقع الحالة السورية في إطار هذه المعادلة؟
برأيي أن الأوضاع في سورية يزيد من تعقيداتها البعد الإقليمي والداخلي السوري أكثر من الأوضاع الدولية، فلا أعتقد أن الملف السوري يشكل أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، وكما قلت لك فإن أولويات الولايات المتحدة ستتركز على شريكها الجيوستراتيجي في أوروبا، وهي في مأزق كبير قبل حسم هذا الملف من خلال عملية تفاوضية تنهي الحرب في أكرانيا التي تعتبر أحد مقدمات الحل في سورية التي مازال الوضع فيها محتدماً بين القوى المتصارعة دولياً وإقليمياً ومحلياَ، كما يبدو القرار 2254 حبراً على ورق الواقعية الجاثمة على الأرض السورية، إذ لم تتمظهر بعد أية مخرجات فعلية – دستورية أو توافقية- قادرة على تطبيق القرار الأممي، أو التوافق – على أقل تقدير- على إيجاد صيغة تعمل على إعادة مايقرب من نصف سكان سورية بين لاجئ ونازح. وعلى العكس من ذلك يتزايد مع الوقت الانقسام والتشظي بين الجغرافيات السورية المتناثرة، والمتناحرة، والمتمايزة، جغرافياً وولائياً، وعسكرياً، وسيكولوجياً، سواء في مناطق النظام أو المعارضة على حد سواء، كظاهرة مرعبة أفرزتها واقعية سلطة أمراء الحرب وغياب الدولة وتفكك المجتمع، وعقيدة استمراء عامل الوقت من جميع الأطراف، وبالتالي عدم إمكانية تجميع السوريين على المدى المنظور.
ماذا عن التطبيع بين دمشق وأنقرة وانعكاساته على الحل السياسي في سورية؟
لايختلف إثنان بالهندسة الروسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق، وفي إطار سيرورة تاريخية من التفاهمات والاتفاقيات التي بدأت منذ اتفاق أستانا 2017، إذ تدفع روسيا الأطراف للعمل خطوة خطوة لإنجاز التطبيع كمنجز سياسي يعزز دورها في المنطقة في مواجهة التواجد الأمريكي، كما يضمن لتركيا القضاء على قوات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها مشروعاً أمريكياً يهدد أمنها القومي.
ماهو موقف إيران من التطبيع بين دمشق وأنقرة؟
إيران اشترطت الانسحاب التركي المباشر لبدء التطبيع، وبرأيي هذا غير ممكن دفعة واحدة، لأن ذلك يتعارض مع الهواجس الأمنية والاجتماعية لكل من أنقرة ودمشق على حد سواء. ولهذا طلبت تركيا أن يكون اللقاء دون أطراف ثالثة في إشارة لإيران، الأمر الذي أثار حفيضة الإيرانيين الذين يرون في ذلك انتقاصاً من نفوذهم لصالح الدور الروسي والتركي، ولهذا فشل الاجتماع الذي أعلن عنه في بغداد بعد الوساطة العراقية والدعوات لعقد اجتماعات اللجنة الدستورية في بغداد. أعتقد بأن إيران تريد تواجد لها في سورية على الطريقة العراقية أواللبنانية، و في إطار رؤية لاتحيد عن ذهنية وتوجهات المرشد الأعلى، وتوجهات التيار الديني، الذي مازال يربط قوة إيران بمبدأ تصدير الثورة خارج حدودها، وهذه أحد التحديات الداخلية التي تواجه المؤسسة الحاكمة في إيران اليوم.
هل تعتقد أن سورية على أعتاب حل سياسي، خصوصاً مع انتشار المليشيات الإيرانية على الأرض ومظاهرها الطائفية؟
أعتقد أن الحل الذي ينتظره السوريون من خلال تطبيق القرار 2254 غير متحقق على المدى المنظور، بسبب انتشار الفصائل المسلحة المتناحرة والتواجدات العسكرية الأجنبية، أما بالنسبة لسؤالك حول إمكانية الحل مع وجود المليشيات الإيرانية ومظاهرها الطائفية، فالأكيد أن هذا التواجد وهذه المظاهر تحول دون عودة الملايين من اللاجئين والنازحين إلى ديارهم بأمان، كما يتعارض مع هوية وبنية المجتمع السوري تاريخياً كمجتمع مدني.
إذاً كيف ترى الحل في سورية أزاء ذلك حسب رايك؟
أعتقد بأن لا حل سياسي في سورية يؤسس لدولة طبيعية قبل انطلاق قطار التحولات الداخلية في إيران وتغيير الذهنية في التعامل مع الملف السوري. وبرأيي أن هذه الذهنية قد تتغير في مرحلة مابعد المرشد الحالي ( 85 سنة). وقد يشكل وصول مسعود بازاشكيان كرئيس إصلاحي من داخل المؤسسة الدينية مقدمة وخطوة ضمن خطوات تنتظرها سورية، لاسيما وأن جيل مابعد ” الثورة” الذي يسانده الإصلاحيون لم يهدأ في مطالباته بالتغيير في مواجهة عقيدة التدخلات الخارجية ومبدأ ” تصدير الثورة” عدا ذلك فإن سورية تسير في ركب صناعة الدول الفاشلة والقلقة. هذه هي الحقيقة التي يدركها كل سوري وطني بعيداً عن أولئك المهوسين بالمحاصصة وتقاسم السلطة والدوران في فلك المحاور الدولية والإقليمية، الذي أفرز نماذج لدول وظيفية قلقة وهشة على شاكلة النموذج اللبناني منذ أكثر من أربعين سنة، والنموذج العراقي منذ عشرين سنة. باختصار، سورية بحاجة لحل لا يوقف الحرب وحسب، وإنما يقيم الدولة.

د. محمد خالد الشاكر في سطور:
باحث وأكاديمي سوري مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. يحمل درجة دكتوراه دولة Ph.D. في الحقوق، تخصص دقيق في القانون الدولي العام والسياسة الخارجية. عمل أستاذاً للقانون الدولي العلاقات الدولية والدبلوماسية. ورئيساً لتحرير صحيفة الفرات السورية ومديراً لفرع مؤسسة الوحدة للطباعة والنشر.
صدر له العديد من الكتب منها: صناعة القرار الدولي، جدلية العلاقة بين واقعية العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي العام، مطبوعات وزارة الثقافة السورية 2010. كتاب الدستور السوري: قراءات وخيارات، دار ميسلون 2018. كتاب الخليج العربي والإسلام السياسي الصفوي، 2017. كتاب الأمن الخليجي والجزر الإماراتية المحتلة 2014- دراسة قانونية. حقوق المرأة في إطار الموائمة مع اتفاقية الأمم المتحدة CEDW ، إصدارات المبادرة الأمريكية الشرق أوسطية MEPI باللغتين العربية والإنكليزية 2019. حقوق عمال المنازل، إصدرارت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. أصدر ثلاث دواوين شعرية: حشرجات مدينة لاتموت، دمشق 1996. رسائل سعيد بن جبير، دار اليازجي، دمشق 1999. بغداد والمدن الرتيبة دار اليازجي، دمشق 2005.

حاوره/ مصطفى عماره

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

الاسطورة تويتر _ الاسطورة الجديد _ العمدة سبورت _ ترددات القنوات _ سعر الدولار اليوم