بعد لقاؤه مع نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف د/ محمد شاكر رئيس التيار العربي المستقل والأكاديمي والسياسي السوري في حوار خاص للزما
– تركيا وروسيا قررتا الوقوف مع إرادة الشعب السوري بعد تعنت الأسد في إيجاد حل سياسي للازمة وتعنته بالحل العسكري .
– حلب كانت الرسالة الأخيرة التي وجهها المسلحون للنظام ومشروع التقسيم كانت الورقة الأقوى التي يمتلكها الأسد للبقاء بالسلطة .
قبل اندلاع الأحداث الأخيرة في سوريا قام الأكاديمي والسياسي السوري ورئيس التيار العربي المستقل د. محمد شاكر والذي يقيم حاليا بالولايات المتحدة بزيارة لروسيا حيث استقبله نائب وزير خارجية روسيا ميخائيل بوغدانوف حيث دار بينهما حوار معمق حول الأوضاع في سوريا وطالب د. محمد شاكر الجانب الروسي بضرورة دفع العملية السياسية في سوريا استنادا إلى القرار الأممي 2254 وعقب عودته من روسيا واندلاع الأحداث الأخيرة في سوريا كان لنا معه هذا الحوار:-
ما هي رؤيتك لأسباب انفجار الأوضاع في سوريا، وماذا تخبرنا عن آخر التطورات قبل سقوط نظام الأسد بهذه السرعة، وأنت آخر شخصية سورية معارضة زارت روسيا، كضالعة في الملف السوري؟
بداية شكراً لجريدة الزمان الدولية على هذا اللقاء، وبداية أحب أن أبارك للشعب السوري طي صفحة أربعة وخمسين سنة من عمر جمهورية الخوف والكبت و الاستبداد والقهر. بالنسبة للشق الأول من سؤالك، فأحب أن أذكر أن النظام السوري سقط منذ اليوم الأول الذي وجه فيه البندقية نحو صدور السوريين، فالانفجار مرده تعنت نظام بشار الأسد مع شعبه أولاً، والاعتراف بالعملية السياسية، أو الاعتراف بأية معارضة ثانياً، كما إغلاقة لأبواب العمل المشترك بين تركيا وروسيا لعقد حوار يمهد لتسوية سياسية بين السوريين، اتساقاً مع ماقدمه الطرفان التركي والروسي في اتفاقيات خفض التصعيد، والتي بموجبها عادت أكثر من 75 من مساحة سورية تحت حكم الأسد، كمقدمة لإجراءات وقف إطلاق النار والبدء بعملية سياسية يقودها السوريون تمهد للانتقال السلمي. أضف إلى ذلك، ومنذ العام 2022 اشتغل الروس أيضاً على هندسة اللقاء بين أردوغان والأسد لإيجاد صيغة في إطار القرار 2254 للبدء بتسوية شاملة، إلا أنهم كانوا يلاقون في كل مرة رفضاً من قبل النظام السوري، الذي كان يضع شروطاً تعجيزية، ومنها عودة الأوضاع في الشمال إلى ماقبل 2011 بشكل مباشر، وهذا غير متحقق دفعة واحدة، بسبب المخاوف الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تحتاج إلى عملية تفاوضية بين السوريين تعمل خطوة خطوة على تفكيك هذه المخاوف. فعلى سبيل المثال، تعاني منطقة الشمال من تهالك للبنى الاقتصادية والمجتمعية، كما يتواجد في المنطقة أكثر من 6 مليون سوري غالبيتهم مطلوبين للأجهزة الأمنية للنظام. لذلك ما أن تحركت فصائل المعارضة المسلحة، حتى جرى الاتفاق على ترك السوريون يقررون مصيرهم بأنفسهم دون تدخل من أحد، ما أدى إلى تحرير حلب بطريقة دراماتيكية، ترافقت مع انسحاب النظام السوري تاركاً دباباته خلفه.
هل تعتقد أن النظام السوري كان بإمكانه إنقاذ نفسه – لو استجاب- بعد دخول المسلحين حلب، وأين تتجه سورية اليوم؟
حلب كانت الرسالة الأخيرة التي وجهها المسلحون للنظام لكي يستجيب للحل السياسي، وهي العقلية التي دفعت يجميع الأطراف الدولية والإقليمية لعدم التدخل في مجريات الأحداث، في حرب بدى فيها الأسد أنه يريد حرباً إلى مالا نهاية مقابل البقاء بالسلطة، واستنزاف الجميع بمن فيهم شعبه الذي يموت موتاً سريرياً.
أما أين تتجه سورية، فالأمور غامضة حتى الآن، ولاشيئ يشير إلى إمكانية قيادة مؤسسات الدولة، خصوصاً وأن الفصائل المسلحة ليس لديها مايكفي لعبور سورية إلى بر الأمان، الآن وأجيب على سؤالك قصفت إسرائيل عشرات المواقع في دمشق، وهذا تدمير لمكتسبات الشعب السوري، مايعني أن الأمور قد تكون مرشحة للتصعيد. لذلك من الواجب تجاوز الشعب السوري نشوة سقوط النظام بأسرع وقت ممكن، والعمل على بناء الدولة، من خلال إيجاد آلية تؤمن عودة الخبراء والتكنوقراط لتسيير أمور الدولة. اليوم على السوريين أن يدركوا أنهم اليوم أحراراً، لكي يقرروا مصيرهم بأنفسهم، بعد أن قدموا تضحيات لم يقدمها شعب في التاريخ المعاصر. وهم اليوم يقفون أمام استحقاقات جني ثمار تضحياتهم وبناء الدولة السورية والنهوض بمؤسساتها، واقتناص اللحظة التاريخية، دون أية ضغوط خارجية. فالشعب الذي استطاع إزاحة بشار الأسد، ودفع الدول الضالعة بالصراع السوري إلى توجيه ” أوامر” له بالتنحي، قادر على بناء دولة مؤسساتية. فسورية تعج بالخبرات والتكنوقراط والأكاديميين المتوزعين في كل أصقاع الأرض، وهذا يحتاج من السوريين العمل على دستور يضمن الحقوق الطبيعية للأفراد، ويمهد لانتخابات حرة نزيهة. فلا شخصيات تسميها الدول، ولا إشاعات عن ترشيح هذا وذاك، ولامعارضة من ائتلاف ولجنة دستورية وهيئة تفاوض، ولا محاصصة، ولا أحزاب أو إيدولوجيات سوى الانتماء للدولة السورية القانونية التي تحتاج اليوم من أبنائها انقاذ المواطنيين السوريين من الجوع والفقر وانتشار السلاح. والبدء بتشكيل جمعية تأسيسية في دمشق، لتكتب دستوراً يقره السوريون، خصوصاً مع انتهاء الغاية التي أنشأت من أجلها اللجنة الدستورية المشكلة من النظام السوري والمعارضة الرسمية، التي انتهت نهاية مبتسرة، للخروج بدستور عصري ينظم العلاقات بين المؤسسات الدستورية الثلاث. دستور يخضع فيه الجميع- حكاماً ومحكومين- تحت سقف القانون. وهنا أحب أن أوجه كلامي للسوريين الذين يتكهنون قدوم هذا أو ذاك، بأن يدركوا بأنهم – كشعب عظيم- هم السلطة القادمة، التي تحدد من يحكمها، فلا مكان لأحد إلا عبر انتخابات حرة ونزيهة برقابة دولية.
ماهي الأوراق التي كان يملكها الأسد لدرجة أنه لم يستجب لروسيا وتركيا اللتين أعادتا له أكثر من نصف مساحة سورية كان قد خسرها قبل العام 2015، بمن فيها الأراضي التي عادت إليه في إطار مناطق خفض التصعيد، وما أثر ذلك على سقوطه ؟
أعتقد أن الورقة الأقوى التي كان يمتلكها الأسد في أيامه الأخيرة، هي يقينه بمشروع تقسيم سورية الذي أصبح واقعاً في معرض صراع داخلي. أبلغني مصدر مطلع أن نظام الأسد تواصل قبل أشهر مع إدارة الرئيس بايدن – وأعتقد أن بلومبرغ نشرت ذلك قبل يوم من سقوط الأسد- فقد كان الأسد يريد الاستحواذ بمكتسبات نظام خفض التصعيد دون أن يقدم أية خطوة للحل السياسي، حتى وأن كلفه ذلك البقاء في أية مساحة تبقيه في السلطة. ومع تسارع الأحداث وجه الرئيس التركي رسالة مفادها “أن المسلحين لن يتوقفوا إلا في دمشق” تزامن ذلك مع تصريح مقرب من الكرملين مفاده ” أن لاخطة لدى روسيا لإنقاذ الأسد” فكان اجتماع الدوحة 7 الشهر الجاري – قبل يوم من سقوط الأسد- حيث جرت مشاورات بينه وبين الأطراف المشاركة في المفاوضات، أفضت إلى تلقيه أوامر بترك منصبه ومغادرة البلاد، ليسدل الستار على مسرحية “الراعي الكذاب”، الذي وصف كل معارضيه بالإرهابيين لكسب ود الأصدقاء والأعداء.
تشير أصابع الاتهام إلى تركيا بالضلوع في هذا الهجوم ، فما هي أهداف تركيا الحقيقية ؟
تركيا لديها هاجس واحد منذ بداية الصراع السوري، هو الذي دفعها للدخول في ثلاثي أستانا، بحيث أصبح هاجسها – في مرحلة من الصراع- ليس إسقاط الأسد، وإنما القضاء على قوات سورية الديمقراطية التي تعتبرها فرعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني. لذلك كان أردوغان مندفعاً للجلوس مع الأسد، وقد طلب ذلك مرات عدة دون جدوى، كما رفض الأسد مراراً الوساطة الروسية سواء في هذه المهمة، وسواء في تطبيق القرار 2254 للخروج من حالة الاستعصاء السوري.
في الآونه الأخيرة تعالت أصوات تركية في الإعلام بأن حلب مدينة تركية ويجب أن تعود إلى حضنها التركي، ماذا تقول في ذلك؟
أدى فشل العملية السياسية إلى وضع سورية أمام مشروع ” بلقنة سورية” كحل نهائي، وهو المشروع الذي طرحه بداية الصراع السوري وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر، ومازال مطروحاً حتى هذه اللحظة، بل وأصبح – مع طول الصراع- جاهزاً كأمر واقع. وأمام حالة الضغط على تركيا بسبب وجود أكثر من أربعة مليون سوري كلاجئين، عدا الاستحقاقات الاقتصادية في الشمال السوري لأكثر من 6 مليون سوري؛ تعالت الكثير من الأصوات التركية- ومنهم سياسين حلفاء لأردوغان- التي تنادي بأن حلب مدينة تركية، في إشارة لضمها وعودة اللاجئين إليها، أو الاستفادة منها كونها مركز تجاري هام تاريخياً. كل ذلك لم يكن يعني نظام الأسد أمام البقاء في السلطة. وهو يدرك – أي الأسد – أنّ جيلاً من السوريين في الشمال السوري وفي تركيا، ولدوا لايعرفون سورية بقدر مايعرفوا تركيا، التي درسوا في مدارسها، وتشربوا بثقافتها، وتجنسوا فيها، وتداولوا عملتها.
أما سؤالك عن ردي على ذلك، فالأصوات التي تقول بأن حلب تركية، تتحدث بمنطق استعلائي بخلفية سياسية لإيجاد مخارج للأزمة الداخلية التي تعاني منها تركيا بسبب الصراع السوري، وهو منطق يجهل التاريخ والجغرافيا، فالمعروف – بداهةً- كتاريخ حديث وليس بالبعيد ، أن السلطنة العثمانية – نسبة إلى مؤسسها عثمان أرطغرل- ولدت عام 1200 ميلادي ودامت 600 سنة، قبل أن تولد على أثرها تركيا الحديثة سنة 1920، أما العثمانيون فلم يدخلوا سورية والمنطقة العربية بأكملها، بل أنهم لا يعرفوها أيضاً إلا بعد معركة مرج دابق 1516 ميلادي، التي انتصر فيها العثمانيون بقيادة السلطان سليم الأول، فدخلوا لأول مرة المشرق العربي من بوابة قرية “مرج دابق” شمال حلب، وأسقطوا الخليفة العباسي محمد ” المتوكل على الله” في مصر ، ليصبح السلطان سليم الأول أول خليفة للمسلمين؛ فأي تاريخ وأي جغرافيا يتحدث عنها هؤلاء.
بماذا تفسر تأخر الرد الروسي على هجوم المعارضة ؟
المعروف أن الروس والأمريكان صاغوا معاً القرار 2254 الذي نص على مرحلة انتقالية، ومع تخلي الولايات المتحدة عن الملف السوري تدريجياً، اضطلعت روسيا وتركيا كأطراف ضاغطة لتطبيق القرار الأممي، الذي تحدث عن عملية سياسية بقيادة سورية تمهيداً للتسوية والانتقال السلمي للسلطة، إلى درجة وصلت معها إلى استخدام روسيا صيغة الهمس الإعلامي من خلال توجيه رسائل للنظام السوري للقبول بالتسوية، جاء ذلك على لسان المستشار والدبلوماسي الأكثر قرباً من الخارجية الروسية رامي الشاعر الذي وجه في آذار الماضي – أي قبل عشرة أشهر من سقوط النظام- رسالة للنظام السوري أشار فيها إلى إمكانية انسحاب روسيا من سورية، بما في ذلك التخلي عن القاعدة البحرية في اللاذقية في حال ظل النظام السوري متعنتاً بعدم قبول التسوية السياسية، وإصراره على عدم الجلوس مع أردوغان، وهذا مايفسر عدم تدخل روسيا في حلب، وترك الأمور تسير بإرادة السوريين من مسلحي المعارضة السورية.
ما هي رؤيتك للموقف الأمريكي والإسرائيلي من الأزمة ؟
الموقف الأمريكي والإسرائيلي من سورية موقف واحد، فحماية وضمان أمن إسرائيل هي أحد المحددات الرئيسية لهوية السياسة الخارجية الأمريكية، بالمقابل تشكل إسرائيل مخفراً أمامياً للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية، بالإضافة لذلك يقوم النهج الأمريكي في المنطقة العربية على قاعدة عدم الاقتراب من قضايا المنطقة إلا إذا كانت ساخنة إلى حد النضج النهائي، وبالتالي إدارة الصراع وليس حله. كلنا يتذكر دور إدارة أوباما في بداية الاحتجاجات في سورية، وكيف كانت داعماً ومسخناً للأوضاع إلى الحد الذي دفع بأوباما في العام 2012 إلى التصريح بأن الأسد فقد شرعيته؛والمعروف دستورياً وحسب صلاحيات الرئيس في النظام الرئاسي الأمريكي، أن حديث أي رئيس أمريكي – بشكل علني- يعد قراراً تنفيذياً، وهو مالم يحدث لأول مرة. بالتزامن مع ذلك كان السفير الأمريكي روبرت فورد بين المتظاهرين في ساحة العاصي في حلب، وهو ما أعطى أملاً كبيراً للمتظاهرين والمسلحين الذين كانوا يتلقون الدعم من الولايات المتحدة بطريقة تضمن التوازن على الأرض بين القوى الأقليمية والمحلية السورية، وهذا ماحدث بالفعل نتيجة عقيدة التسخين، التي أدخلت سورية في أتون صراع دموي مخيف بأبعاد طائفية وأخرى إثنية، قبل أن تبدأ الولايات المتحدة بعد ذلك بالانسحاب التدريجي من الملف السوري، فتم تقليل الموظفين العاملين في الملف السوري، وأصبح الحديث عن تغيير سلوك النظام السوري وليس إسقاطه، بل وكانوا يصرحون للمعارضة الرسمية – في كل مرة- ” اذهبوا إلى روسيا” و” الحل في سورية بيد روسيا” مختصرين وجودهم في سورية بمحاربة داعش فقط كعلاقة ميدانية وليس سياسية. لقد تراوح الدور الأمريكي في سورية بين مرحلة انتظار القضايا حتى تسخن ومرحلة تسخينها، قبل أن تلجأ إلى عقيدة الانكفاء وترك القوى المحلية والإقليمية ( المتكافئة بالأساس) تحل مشاكلها بنفسها، الأمر الذي أدخل سورية في أتون صراع متوازن بين تركيا الداعمة للمعارضة، وإيران الداعمة للنظام، تبدى بأبعاد طائفية غريبة عن ثقافة و بنية المجتمع السوري، فدخلت البلاد في أتون أعقد وأبشع وأطول صراع دموي، دفع ثمنه المدنيون السوريون على كامل التراب السوري.
هل سيؤثر سقوط النظام السوري على التواجد الإيراني والمليشيات التابعة له في سوريا، وماهي أولويات التهوض بسورية اليوم ؟
بشكل عام، لاحل في سورية مع تواجد أية مليشيا خارج إطار الدولة، وفي مقدمتها المليشيات الإيرانية، ولن يكون هناك حل سياسي مع وجود أية قوة احتلال أجنبية، ولنا في دروس الحاضر عبرة، فلبنان مازال دولة هشة وقلقة، و محكوم منذ أكثر من ثلاثين سنة بعقلية أمراء الحرب والطوائف الذين قادوا الحرب اللبنانية وتسلطوا فوق رؤوس اللبنانيين. صحيح أن اتفاق الطائف نجح في إيقاف الحرب ولكنه لم يقم الدولة، التي يقودها دستورها ومؤسساتها. هذا درس يجب على السوريون أن يحذروه من أجل بناء سورية القوية بمؤسساتها وكرامة شعبها. وبالتالي فسورية أزاء مرحلة تحول ديمقراطي لدولة مؤسساتية تعمل على بناء دستور. مرحلة أبعد من عملية انتقال سياسي كان طرفاها نظام قمعي مستبد، وثلة من معارضة لايعرف السوريون من جاء بها، ومن وضعها لكي تمثلهم. أما عن سؤالك عن أولويات نهوض سورية، فإنّ أولى أولويات بناء الدولة السورية، هي البدء ببحث الأسباب البنيوية التي أدت إلى هذه الهزة العنيفة، والعمل على تلافيها سبباً سبباً، حتى لاتقع الأجيال القادمة بما وقعنا به، وهذا يحتاج إلى تجميع الطاقات السورية في هيئة عامة للبناء والتنمية والإدارة من جميع التخصصات، يكون ضمنها مجموعة أو لجنة تعمل على كتابة دستور عصري، يضمن الحقوق الطبيعية للفرد، باعتبارها حقوقاً ولدت مع الفرد وقبل السلطة، وبالتالي لايحق للسلطة مصادرتها.
و حول تأثير سقوط الأسد على التواجد الإيراني وميليشياته، أحب أن أضيف أنّ السوريين شعب مدني تاريخياً، ولا أعتقد أن لديهم قبولاً بأية أيديولوجيا تحت مظلة الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي. والوجود الإيراني في سورية ارتبط بالحقبة الأسدية فقط، ولن يكون له أي بعد جماهيري في سورية، ولن تكون سورية دولة طبيعية مع وجود أية ميليشيا إيرانية أو غير إيرانية خارج إطار الدولة السورية.
في النهاية ما هو تقييمك للموقف العربي من الأزمة ؟ وما هو المطلوب من الدول العربية في المرحلة المقبلة ؟
مقارنة بالدور التركي والإيراني كقوتين إقليميتين، اضطلعتا بدور محوري في سورية خلال حقبة الصراع، ظهرت تداعيات تراجع العقيدة السياسية للنظام الإقليمي العربي، المفترض أن يكون وحدة جيوبوليتيكية، وسبب ذلك الانتكاسات التي حلت بالنظام الإقليمي العربي، ما أدى إلى بروز ظاهرة تدخل تركيا وإيران في الشؤون العربية، وبطريقة استنسخت تاريخ الصراع العثماني الصفوي، كصراع سياسي على السلطة والنفوذ والتوسع بغلاف مذهبي، كحالة غرية عن ثقافة المنطقة العربية التي عاشت تاريخياً في حالة فريدة من العيش المشترك بين جميع المكونات. لقد تم استنساخ الطبعة الأسوأ في تاريخ المنطقة في دولنا العربية، وفي مقدمتها سورية؛ وهذا ماحدث عندما طحنت رحى المعارك السوريين لمدة أربعة عشر عاماً. لذلك، أقولها كسوري، أن تركيا لم تتدخل لنصرة الشعب السوري، ولا إيران تدخلت لمصلحة النظام السوري، بقدر ما تدخلتا لتحقيق مصالحهم. وهذا أمر ليس غريباً على بنية النظام الدولي الذي يقوم على “مبدأ القوة في العلاقات الدولية”، في الوقت الذي نمتلك فيه القوة أكثر من غيرنا، لكننا مازلنا نفتقر إلى ترشيدها كنفوذ، فتحولنا إلى خاصرات رخوة، وبؤرصراع لاختبار القوة والنفوذ والتأثير في القرارالدولي. أما بالنسبة لسورية وموقعها من العرب، فسورية قوة مضافة ببعدها العربي، وخصماً على نفسها إذا عملت منفردة. اليوم وقد تخلصت سورية من كابوسها المخيف، وبالرغم مما مر عليها خلال سنوات الصراع، مازالت سورية ببعدها التاريخي والحضاري، سورية الأموية التي قدمت للإنسانية والعالم من شرقه إلى غربه أعرق الحضارات التي عرفها التاريخ، وهذا ليس نوماً في معطف الماضي، فالماضي ليس مجرد واقعة حدثت، بقدر ماهو عقل جمعي وثقافة متجذرة كهوية متأصلة في ضمير كل سوري. بالنهاية أقول، أن الموقف العربي مازال يمتلك مفاتيح الأبواب المغلقة، بمقومات وحدته الثقافية والروحية والاقتصادية والجغرافيه والتاريخية، وماحلّ في سورية ليس سوى سطراً من سطور الأمم الحية التي تمرض ولكن لاتموت، ويحدونا الأمل بأنّ المعضلات الكبيرة هي الفرصة الأنسب للحلول الكبيرة.
حاوره
مصطفى عماره
الدكتور محمد خالد الشاكر في سطور:
باحث وأكاديمي سوري مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، ولد في مدينة الميادين/ سورية 1967 تخرج من كلية الحقوق جامعة دمشق، ثم على دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام –DESS – M1، ثم حصل على درجة ماجستير القانون الدولي العام DEA -M2 عنوان الرسالة « مجلس الأمن الدولي وحفظ السلم والأمن الدوليين قبل وبعد انتهاء الحرب- جدلية العلاقة بين واقعية العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي العام، دراسة مقارنة. حصل على درجة دكتوراه دولة في الحقوقPHD، تخصص دقيق في القانون الدولي العام والسياسات الخارجية، عنوان الأطروحة ” سياسة هنري كيسنجر الخارجية بين الواقع والقانون الدولي العام”. درس السياسة المقارنة في الولايات المتحدة الأمريكية- كلية ساكرامنتو جامعة كاليفورنيا، وحصل على شهادة التميز الأكاديمي. باحث متخصص في آليات بناء الدولة في مراحل مابعد الصراع. شارك كمحكم ومستشار نزاعات دولية وخبير دستوري في العديد من المنظمات الدولية العاملة في آليات بناء السلام في مراحل مابعد النزاعات.
له عدد من الكتب منها: صناعة القرار الدولي، جدلية العلاقة بين واقعية العلاقات الدولية ومبادئ القانون الدولي العام – وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب 2010 / الجزر الإماراتية المحتلة– وجهة نظر قانونية 2013 / الدستور السوري:خيارات ومقاربات، دارميسلون 2018/ الخليج العربي والإسلام السياسي الصفوي 2017 / أوهام الربيع العربي 2018/ حقوق المرأة في إطار الموائمة مع اتفاقية CEDW إصدارات المبادرة الأمريكية الشرق الأوسطية باللغتين العربية والإنكليزية 2019/ حقوق عمال المنازل، إصدارات المركز الكويتي لحقوق الإنسان، والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون. إصدار ثلاثة دواوين شعرية: حشرجات مدينة لاتموت، دمشق 1996 – رسائل سعيد بن جبير ط1 دمشق 1999- ط2 دار اليازجي – دمشق 2005 – بغداد والمدن الرتيبة ،دمشق، دار اليازجي 2005.