سوريا والأمن القومي المصري
كانت سوريا ولا زالت جزء أساسي من الأمن القومي المصري فلقد أثبتت دروس التاريخ أن من يريد غزو سوريا أن يستولى على مصر والعكس صحيح حدث هذا في الغزو التتاري والصليبي على المشرق العربي بل لا أبالغ أن ذلك حدث منذ عصر الفراعنة فلقد أدرك أحمس الأول أن تأمين حدود مصر يأتي من خلال الاستيلاء على الشام لذا فلقد أدرك الغرب تلك الحقيقة وقام بزرع إسرائيل في فلسطين حتى تكون فاصل ما بين تواصل مصر والشام ولم يكن قبول عبد الناصر للوحدة مع سوريا عام 1958 نابعا من دوافع عاطفية أو تاريخيا ولكن لإيمانه بأن أمن مصر مرتبط من خطر على أمن إسرائيل والغرب فلقد سعى أعداء العرب إلى إفشال تلك الوحدة وكان لهم ما أرادوا عندما حدث الانفصال عام 1961 ورغم ما شكله الانفصال من صدمة على مصر فلقد ظلت مصر حريصة على أمن سوريا ودفعت بجيشها إلى سيناء قبل حرب عام 1967 رغم نكسة عام 1967 عندما هاجمت إسرائيل مصر وسوريا والأردن واحتلت جزء من أراضي تلك الدول واستمر التنسيق بين مصر وسوريا في حرب اكتوبر وكان هذا التنسيق دور بارز في تحقيق النصر الذي تحقق ولقد عارضت مقاطعة الدول العربية لمصر عقب معاهدة كامب ديفيد رغم تخفظي على تلك الاتفاقية التي أخرجت مصر من حلبة الصراع العسكري بين مصر وإسرائيل لأن الحل لم يكن في مقاطعتها بل في استمرار التنسيق العربي لأن عزل مصر أضر بالأمن القومي العربي كما عرضت قيام العالم العربي بمقاطعة سوريا بعد قمة بيروت بعد أن وصف بشار الأسد الزعماء العرب بانصاف الرجال وأعجبت بحكمة الملك عبدالله ملك السعودية عندما قال أن الأمر يتطلب عدم الابتعاد عن سوريا حتى لا نتركها فريسة للدول الأخرى وعلى رأسها إيران ولو استمع العرب لحكمة خادم الحرمين الشريفين لما وصلت سوريا لهذا الحد وللأسف فإن العقوبات على سوريا لم تضر النظام بل أضرت الشعب السوري الذي عانى من قانون قيصر والعقوبات الأخرى والآن وبعد أن ثار الشعب السوري على هذا النظام الذي حول سوريا لسجن كبير فإنني اتمنى من العالم العربي وعلى رأسه مصر بعدم تكرر أخطاء الماضي بمقاطعة سوريا بدعوى أن التغيير الذي حدث جاء بنظام متطرف من الاسلاميين لأن سوريا أحوج ما تكون الآن إلى أشقائها العرب للخروج من أزمتها ومن هذا المنطلق فإنني أحيي الدول العربية وعلى رأسها السعوديه والاردن وقطر بالتواصل مع النظام الجديد وكنت أتمنى أن تكون مصر أول الدول التي تبادر بها فلم يطلب أحد من الدول العربية الاعتراف بالنظام الجديد لأن سوريا لم تشكل بعد حكومتها أو يجري انتخاب رئيس الجمهورية بل الأمر يتطلب في تلك المرحلة التواصل مع النظام الجديد لمعرفة توجهاته والتنسيق معه لإخراج سوريا من محنتها ورغم تقديري لتصريحات وزير الخارجية المصري بأن مصر مع خيارات الشعب السوري وادانته لاستغلال إسرائيل للأوضاع في سوريا للاستيلاء على الأراضي السورية في الجولان ومناطق أخرى فإن الأمر يتطلب خطوات أكبر من ذلك من خلال زيارات مسئولين مصريين لسوريا والتشاور مع النظام الجديد وتقديم المساعدة لإخراج سوريا من محنتها ولكن للأسف يبدوا أن مصر لا تزال حتى الآن أسيرة لملف الصراع مع الإخوان وأتمنى أن تطوى مصر ملف هذا الصراع لأن الإخوان رغم حملتهم الإعلامية على النظام المصري لا يشكلون خطراً عليه ولا يمكن أن يأثروا على الشعب المصري الذي لم يكون يوما ما إخوانية ولكنه انتخب الإخوان نكاية في حكم مبارك وليعلم النظام المصري أن أمن هذا النظام بل أمن مصر ينبع من تحقيق العدالة والأمن للمواطن ومحاربة الفساد ولتكن لنا عبرة في الخليفة العادل عمر بن الخطاب عندما جاءه رسول كسري ووجده نائما تحت شجرة دون حرس فقال كلمته الشهيرة حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر فهذا فقط هو الذي يحقق الأمن للوطن والمواطن والنظام .
مصطفى عماره