مصر والأزمة السودانية
ارتبط الموقف المصري من قضايا المنطقة بصفة عامة ومن السودان بصفة خاصة بعاملين رئيسيين وهما إتفاقية كامب ديفيد والتي حجمت دور مصر الريادي في المنطقة وهو ما أتاح لإسرائيل الاستفراد بكل دولة على حدة بدءا من العراق ومرورا بسوريا واليمن وفلسطين دون أن تتخذ مصر دورا حاسما لمواجهة هذا المخطط حتى أن قيادة مصر نفسها أصبحت مرتبطة برضى كلا من أمريكا وإسرائيل كما قال د. مصطفى الفقي مستشار الرئيس السابق حسني مبارك ، والعامل الآخر وهو الأزمة الإقتصادية التي استفحلت مع مرور الوقت وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة في عهد السيسي بفعل السياسات الخاطئة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة وفشلها في إدارة الاقتصاد المصري وهو ما دفع مصر إلى سياسة القروض المتعاقبة من مؤسسات التمويل الدولية والدول الخليجية وعلى رأسها السعودية والإمارات ورغم اعتماد مصر على سياسة الفروض والمعونات الخليجية إلا أن الأزمة استفحلت حتى وصل الأمر إلى قيام مصر بعرض أصولها للبيع والتي شملت أصول استراتيجية كانت تمثل دعما رئيسيا للاقتصاد المصري كمصانع الحديد والصلب والكوك وغيرها ، ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية في العالم بدأت الدول حتى الصديقة منها في إعادة تقييم سياستها الاقتصادية وعدم منح القروض والمساعدات بلا ثمن وهو ما وضع قيود على المساعدات الخليجية لمصر حيث أعلنت السعودية صراحة أنها لن تعطي مساعدات للدول الصديقة في إشارة إلى مصر بدون ثمن ووفقا لشروط معينة وكان من ضمن الشروط التي وضعتها تلك الدول في مساعداتها لمصر هو تراجع المؤسسة العسكرية عن إدارة المشروعات الاقتصادية وتخفيض قيمة الجنيه المصري ، وإذا كانت السعودية تتطلع إلى ريادة المنطقة في المرحلة القادمة مع تراجع الدور المصري فإن الإمارات بدأت تتطلع أن تحل محل الدور القطري من خلال قيامها بتنفيذ الأجندة الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة وظهر ذلك جليا في الأزمة السودانية حيث دعمت الإمارات قوات حميدتي بينما كانت تدعم مصر قوات البرهان حفاظا على الأمن القومي المصري حيث ترى مصر أن هذا الأمن يتحقق من خلال دعمها للجيوش الوطنية وليس الميليشيات وحدث هذا أيضا في الأزمة السورية إلا أن هذا الدور اصطدم بالدور الإماراتي الداعم لحميدتي الذي يسعى إلى تنفيذ أجندة بعض الدول كأمريكا وإسرائيل وأثيوبيا بهدف تفتيت شمال السودان وتقسيمها إلى عدة دول كما حدث من قبل في ليبيا واليمن وسوريا وهو ما يمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي المصري فضلا عن إشغال مصر بالأوضاع في شمال السودان حتى تتفرغ أثيوبيا لاستكمال بناء سد النهضة خاصة أن الأنباء كشفت عن وجود تنسيق بين الجيش المصري والسوداني في عمل عسكري ضد السد إذا تطلب الأمر ذلك ، ومع رغبة مصر في الحفاظ على البقية الباقية من أمنها القومي فإن الدور المصري اصطدم بالضغوط الإماراتية لعدم التدخل العسكري المباشر في الأزمة السودانية مهددة في ذلك بسلاح المعونات حيث هددت الإمارات بوقف استثماراتها في مصر وهو الأمر الذي يفاقم الأزمة الإقتصادية في ظل سعي مصر للحصول على 6 مليارات دولار لسداد فوائد الديون ، وفي ظل تلك القيود تدخلت مصر في الحرب الدائرة بشكل غير مباشر كما سعت إلى إعادة الاتصال مع حميدتي لرعاية أية مفاوضات قادمة بين البرهان وحميدتي حتى لا تفقد مصر كل نفوذها في السودان وفي كل الأحوال فإن مصر أصبحت تواجه تهديدا خطيرا على أمنها القومي بعد أن أصبح أمنها القومي مهدد من الجنوب والشرق والغرب وهو ما يحقق إستراتيجية القوى المعادية لها في حصارها من كل جانب لاسقاطها طبقا لنظرية الفوضى الخلاقة بعد أن عجزت عن تحقيق هذا في المراحل الأولى من ثورات الربيع العربي .
مصطفى عمارة