من مقابر الارقام الى سجون الاموات” .. عنوان ورقة قدمها رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الاسرى والمحررين عبد الناصر فروانة، خلال فعالية
كتب مصطفى عماره
“من مقابر الارقام الى سجون الاموات” .. عنوان ورقة قدمها رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الاسرى والمحررين عبد الناصر فروانة، خلال فعالية نظمتها اليوم الاثنين (8 مايو) جامعة الدول العربية في مقرها بالقاهرة احياء ليوم الأسير الفلسطيني، وهذا ملخص عن الورقة التي تم توزيعها كاملة على الحضور
من مقابر الأرقام إلى سجون الأموات
لقد آثرت أن يبرز عنوان مقالتي هذه، جريمة قلّ مثيلها، ومعاناة لا شبيه لها. وسأحاول ان أوجز ورقتي التي هي بين أيديكم ببضع دقائق وفقاً للبرنامج المُعد لهذه الفعالية.
فكلنا ياسادة سَمع عن السجون المنتشرة في بقاع الأرض، وبعضكم قرأ قصصاً وحكايات عديدة نُسجت داخل جدران سجون الاحتلال الاسرائيلي، ومن بيننا من مرَ بتجارب شخصية مريرة، لكننا لم نسمع شيئاً، أو نقرأ خبراً عن سجون رسمية خُصصت لسجن الاموات، سوى هناك في بلادي، وهناك فقط في فلسطين، حيث تُحتجز الجثامين في إطار سياسة اسرائيلية رسمية، وحيث جعل الاحتلال من ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام سجوناً للشهداء وعقاباً للأحياء من بعدهم!
شهداء لم يوجعهم الموت، بل أوجع الأحياء المنتظرين عودتهم، وأوجع “دولة” لا زالت تخافهم وهم أموات، وتخشى تحريضهم وهم في قبورهم تحت التراب، فتعاقبهم وتعاقب ذويهم بعد موتهم، فتحتجز جثامينهم وتسجنها فيما يعرف بمقابر الأرقام أو ثلاجات الموتى، في واحدة من أكبر وأبشع الجرائم الإنسانية والأخلاقية والدينية والقانونية التي تقترفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي علانية. و لا تزال تحتجز مئات الجثامين لشهداء فلسطينيين وعرب، ذكوراً واناثاً، تعود إلى شهداء سقطوا في أزمنة متعددة وسنوات متباعدة وظروف مختلفة. بينهم ثلاثة عشر جثمانا تعود إلى أسرى استشهدوا داخل السجون الإسرائيلية.
والسؤال : لماذا يحتفظ الاحتلال بجثامين الشهداء؟
أولاً: الانتقام من الشهداء لما قاموا به من فعل مقاوم أوجع الاحتلال وألحق الأذى والألم بجنوده، قبل وفاتهم.
ثانياً: محاولة ردع الآخرين ومنعهم من القيام بأعمال كفاحية ضد المحتل.
ثالثاً: العقاب الجماعي لعائلاتهم وذويهم وأحبتهم.
رابعاً: استخدام جثامين الشهداء للضغط والابتزاز في التعامل مع العائلات أو الفصائل التي ينتمون إليها.
خامساً: إخفاء آثار جرائم الاحتلال البشعة خلال عمليات قتل هؤلاء الشهداء والتمثيل بجثثهم، وعدم فتح المجال أمام إجراء تحقيقات دولية.
سادساً: إزالة أي آثار يمكن أن تثبت الاتهامات الرائجة بتورط دولة الاحتلال –كما يعتقد كثيرون- في سرقة أعضاء الشهداء، فتحتجزهم طويلاً وتتحلل جثثهم مع مرور الوقت وتختفي آثار جرائم السرقة.
والسؤال الذي يقفز الى الذهن.. هل فعلاً تسرق إسرائيل أعضاء الشهداء؟
يتعزز الاعتقاد لدى الفلسطينيين ولدى كثيرين من العرب، يوماً بعد آخر، أن عدداً من شهدائهم قد سُرقت أعضاؤهم، ثم دُفنوا في مقابر الأرقام لإخفاء آثار الجريمة، وخصوصاً بعدما أثارت صحيفة سويدية عام 2009 قضية سرقة أعضاء الشهداء، واتهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل مواطنين فلسطينيين بهدف سرقة أعضائهم الداخلية، والاستفادة منها بشكل غير شرعي، والإتجار بها ضمن شبكة دولية. وما تلا ذلك من تحقيق صحافي نشرته شبكة “سي إن إن” الأميركية، أوائل أيلول/سبتمبر 2009.
الخلاصة ياسادة
إن احتجاز الجثامين لم يكن يوماً حدثاً استثنائياً أو موقفاً عابراً، وإنما هي سياسة رسمية وثابتة ومنظمة تتبعها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ عشرات السنين.
إن سياسة احتجاز الجثامين تنتهك الحقوق الأساسية للمتوفي وعائلته، وتُعدُّ عملاً غير إنساني وغير أخلاقي، كونه يمثل تعدياً سافراً على كل القيم الإنسانية والدينية والأخلاقية، وتشكل سلوكاً منافياً لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، والتي
ترقى الى مستوى العقاب الجماعي المحظور دولياً.
ختاماً، يُصر الفلسطينيون على استعادة جثامين أبنائهم مهما طال الزمن أو كلف الثمن، ويخوضون معارك قانونية عديدة في سبيل ذلك، ويجددون بين الفينة والأُخرى مطالباتهم بضرورة السعي من أجل الافراج عن جثامين أبنائهم حتى يتمكنوا من إعادة دفنهم بكرامة، وتبعاً لثقافتهم ومعتقداتهم الدينية في مدافن وأمكنة مؤهلة وقبور معلومة.
التفاصيل كثيرة وكثيرة جداً، وستجدون جزءا منها في الدراسة التي هي بين ايدكم، ونأمل تكامل الادوار وتكاتف الجهود من أجل الافراج عن الاموات المحتجزة جثامينهم في السجون الاسرائيلية.
وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير